ما الحـــــــارس الـــــــعام
تمهيدٌ
أدّى تطور المجتمعات الكبير في العصر الحديث من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية إلى ظهور شركات ومؤسسات كبيرة تدار برؤوس أموال ضخمة، ونتج عن هذا التطوّر تشابك في علاقات الأفراد المالية وحدوث منازعات هائلة بينهم، ولما كانت إجراءات التقاضي العاديّة تستغرق مدة طويلة من الزمن حتى يُبثّ في النزاع وإنهائه، وقد يلجأ المدين في أثناء هذه المدّة إلى تبديدِ أمواله، أو يزيد في التزاماته فينقضي الضمان العام للدائنين وتتضرر مصالحهم، فكان لابد من إيجاد أو اتباع إجراءات محددة ومستعجلة فكان أن ظهر ما يُعرف بنظامِ الحراسة.
مفهوم الحراسة
كلمة الحراسة آيةٌ من حَرَس الشيء يَحْرُسُه ويَحْرِسُه حَرْساً حفظه والحارِسٌ تُطلقُ على الرّجلِ الذي يُؤْتَمَنُ على حفظ شيء لا يؤمن أَن يخون فيه، وخيرُ مثالٌ على الحارس حارسُ مرمى كرة، فهو يذود بكلّ ما يملك من قوّةِ جسديةِ وذهنيةِ على المحافظةِ على شباك مرماه نظيفة من تسجيلِ الأهداف .
تعريف الحراسة قانونًا
يعرَّفُ الفقه القانوني الحراسة بأنها وضع مال يقوم بشأنه نزاع، أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر عاجل، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته وردّه إلى من يثبت له الحق فيه مع تقديم حساب عنه، وقدْ عرّفت المادّة 729 مدني الحراسة بقولها :( الحراسة عقد يعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر بقبول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فبه غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبادرته وبرده مع غلته المقبوضة إلى من يثبت له الحق فيه ).
أركان الحراسة:
من خلالِ التّعريف السّابق للحراسةِ يتبيّن أنّ للحراسةِ أركان ثلاثة، و هي:-
1) مال يوضع تحت الحراسة. 2) قانون أو اتّفاق أو حكم بالحراسةِ. 3) شخصُ الحارس بغضِّ النّظر عن كونه عيّن بموجب القانون أو الاتّفاق أو حكم قضائيٍّ.
أنواع الحراسة:
الحراسة ثلاثة أنواع: اتفاقية، وقضائية، وقانونية.
الحراسة الاتفاقية :- وهي التي يكون تعيين الحارس فيها باتفاق ذوي الشأن، وقد أشارت المادّة 729من القانون المدني اللّيبي والمعنونة بتعريف الحراسة فقالت:(الحراسةُ عقدٌ يُعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر بمنقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبإدارته وبرده مع غلته المقبوضة إلى من يثبت له الحق فيه .)، ومن هذه المادّة يتّضح أنّه إذا ما وُضعَ المال باتّفاق الطّرفان، فتكون الحراسة حينئذٍ اتّفاقيّة، وإذا ما وُضعَ المال بحكمٍ قضائيّ فحينئذٍ تكون الحراسة حراسة قضائيّة.
الحراسة القضائية:- هي التي يكون تعيين الحارس فيها بموجب حكم قضائي، وقدْ أشارت المادّة 730 من القانونِ المدنيِّ الليبيِّ، والمعنونة بالحراسة القضائية إلى حالات يجوز فيها للقضاءِ الأمر بالحراسة، فورد نصُّ المادّة بقولهِ:-(يجوز للقضاء أن يأمر بالحراسة :
(أ) في الأحوال المشار إليها في المادة السابقة إذا لم يتفق ذو والشأن الحراسة .
(ب) إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقول ما يخشى معه خطرا عاجلا من بقاء المال تحت يد حائزه.
(ج) في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في القانون.
الحراسة القانونية:- هي التي يقررها القانون بنصٍّ من غير حاجةٍ إلى حكم من القضاء أو اتفاق الأطراف عليه. فهي تتمّ بموجب نصٍّ قانونيٍّ, أي أن هذه الحراسة ليست لا اتّفاقيّة (عقد), ولا هي بالقضائيّةِ، ومن ثمّ فإنّها توقع بموجبِ قانونٍ يضع المال ويعيّن له موظف عام يُخوّلهُ الحراسة، ولعلّ خيرُ مثالِ لذلك ما هو منصوصٌ عليه في القانون رقم 36 لسنةِ 2012 بشأنِ إدارة أموال وممتلكات بعض الأشخاص تطبيقُ من تطبيقات الحراسة القانونيّة حيث أشارت الفقرة الأولى من المادّة الأولى لهذا القانون إلى" تُوضع تحت إدارة حارس عام أموال وممتلكات الأشخاص المذكورين بالجدولِ المرفق بهذا القانون، وكذلك أموال وممتلكات أزواج وأبناء الأشخاص الطبعيين منهم."
مُبرّرات الحراسة :-
إنّ مبرّرات الحراسة بصفةِ عامّة هيَ أنْ يكون هناك مالٌ ما يتهدّده خطر عاجل سواءٌ كان ذلك من مالكيه المدّعين به فيما بينهم أو من آخرين لا علاقة لهم به، أو أنّ هذا المال هو في الأساسِ ملكٌ للشّعبِ فاستولى عليه من هو مسجّلٌ باسمه، فيتمُّ وضعه حينئذٍ في يد أمينة تكفّل حفظه وإدارته ورده مع تقديم الحساب عنه الى من سيئول له عند الانتهاء من الحراسةِ، ومعلومٌ أنّ القانون رقم 36لسنة 2012، وما أدخل عليه من تعديلٍ يُعنى بالأموال الّتي تملّكتها الأسرة الحاكمة، وما حواليها من أشخاص متنفّذون يسيطرون على مفاصل الدّولة ومن ثمّ كانت مدّخرات الدّولة الليبيّة تحت أياديهم ويتصرّفون فيها لأنفسهم دون أن يكون للشعبِ الّذي كون عنصرًا أساسيّا من الدّولةِ أيّ نصيب في ثروةِ بلادهم، وهو ما دعا لاستصدار هذا القانون ليعود الحقّ لذويه.
أحكامُ الحراسة :-
الأصل أن تطبق على الحراسة أحكام الوديعة والوكالة وذلك أخذًا ممّا نصّت عليه المادّة مادة 733 مدني والمعنونة بواجبات الحارس وحقوقه، و القائل نصّها:)يحدد الاتفاق أو الحكم القاضي بالحراسة ما على الحارس من التزامات وما له من حقوق وسلطة، وإلا فتطبق أحكام الوديعة وأحكام الوكالة بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع الأحكام الآتية).وسبب تطبيق أحكام الوديعة على الحراسة وذلك على اعتبار أن المال المتنازع عليه يكون في يد الحارس وديعة عنده، لكن الحراسة تتميز عن الوديعة في أمور عدة أهمها:
- 1- تكون الحراسة على أشياء أو أموال متنازع عليها، في حين أن الوديعة لا يوجد فيها نزاع.
- 2- تكون الحراسة اتفاقية وغالباً قضائية، أما الوديعة فلا تكون إلا اتفاقية.
- 3- تكون الحراسة على المنقول والعقار في حين أن الوديعة يغلب وقوعها على المنقول.
- 4- الأصل في الحراسة أنها مأجورة، بخلاف الوديعة، إذ الأصل فيها أنها بغير أجر.
- 5- يلتزم الحارس بإدارة المال الموضوع تحت الحراسة في حين يقتصر دور الوديع على حفظ المال وصيانته دون إدارته، وإن كان يصح أن يؤذن له في الاستعمال.
- 6- يلتزم الحارس برد المال إلى من يثبت له الحق فيه، وهو غير معروف عند بدء الحراسة، أما الوديع فيرد المال المودع عنده إلى المودع بمجرد أن يطلبه هذا الأخير.
تعيين الحارس :-
تعيين الحارس ، ومسمّاه يختلف بحسبِ نوع الحراسة، فالحراسة القانونية يكون فيها مسمّى الحارس بالحارس العام، والقانون الّذي يضع أموال الأشخاص تحت الحراسة عدةُ ما يقوم هو ذاته بالإشارة إلى كيفية تعيين الحارس، وعلى سبيل المثال فالقانون رقم 36لسنة 2012 بشأنِ إدارة أموال وممتلكات بعض الأشخاص أشار إلى في مادّتهِ الثّانية إلى أن الحارس العام يتمّ تعيينه من قبلِ مجلسِ الوزراء بناءً على عرضٍ من وزير العدل ، و القانون سماه بالحارس العام، وفي الحراسة الاتّفاقيّة فإنّ الحارس يعيذن وفقًا لما يتّفقه عليه من لهم خصومة على المال المراد ضعه تحت الحراسة، وفي الحراسة القضائيّة، فإنّ الحارس يتمّ تعيينه من قبلِ القضاء، ومن ثمّ فإنّه يُسمّى بالحارسِ القضائيّ، ومن هنا فالعبرة في كون الحراسة قانونيّة أو قضائية أو اتفاقية هي بمن فرض الحراسة في ذاتها، فإن كان الحراسة مفروضة بموجبِ القانون كانت الحراسة قانونيّة، وإن افترضت من قبلِ القضاء كانت الحراسة قضائية، وأمّ إنْ كان الخصوم هم الذين اتفقوا على تعيين شخص الحارس كانت الحراسة اتفاقية، ولو كان القاضي هو الذي عين الحارس، وذلك لأن تعيينه كان بموجب اتّفاق الخصوم.
التزامات الحارس:-
التزامات الحارس تتحدّد بنوعِ الحراسة، وذلك لأنّه عندما تكون الحراسة قانونيّة فإنّه عادةً ما يأتي القانون على تحديد هذه الالتزامات بالتّفصيل كما هو عليه الحال في القانون رقم 36لسنة 2012 سالف الذّكر فالمادّة3من القانون حدّدت الالتزامات المقلقات على عاتق الحارس العام فأشارت إلى :( يتولّى الحارس العام تسلّم الأموال وجردها وإدارتها وله بوجهِ خاصّ أنْ يتّخذ كافّة الاجراءات الضروريّة لتحصيلِ ما للأشخاص الخاضعة أموالهم وممتلكاتهم لأحكامِ هذا القانون أو الّتي تضاف مستقبلاً من حقوقِ ولأداء ما عليهم من ديونٍ وأن يقبض ما يؤدّى لهم وأن يُعطي المخالصات وأن يبيع ما كان قابلاً منها للتّلفِ كليًّا أو جزئيًّا أو الأموال الّتي تكون نفقات المحافظة عليها باهظة، ويجوز له في الأعمالِ الصّناعيّة او التّجارية أن يباشر كلُّ ما يتعلّق بالاستغلالِ العاديّ للعملِ، وله أنْ يتصالح عن الدّيون كلّها أو بعضها وله حقُّ التّقاضي باسمِ المشمولين بهذا القانون باعتبارِ نائبًا عنهم.)، وفيما يخصّ الحراسة القضائيّة والاتّفاقيّة فإنّ القانون المدني قدْ أشار في المادّةِ733 والّتي عُنونت بواجبات الحارس وحقوقه، فقال نصُّها:(يحدد الاتفاق أو الحكم القاضي بالحراسة ما على الحارس من التزامات وما له من حقوق وسلطة، و إلا فتطبق أحكام الوديعة وأحكام الوكالة بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع الأحكام الآتية :.)، وبالعمومِ فإنّ التزامات الحارس في جميعِ أنواع الحراسة تشمل ما يلي:
- 1) التزام تسلم المال والمحافظة عليه: يجب على الحارس أن يتسلم المال الموضوع تحت الحراسة من يد حائزه، ويقوم بجرده وتحرير محضر بذلك، ثمّ يحافظ على الأموال المعهودة إليه حراستها، وأن يبذل في ذلك عناية الرجل المعتاد مع مراعاة طبيعة هذه الأموال وما تتطلبه من أعمال لصيانتها. فإذا كانت مباني مثلاً، فإنه يتعين عليه إجراء الإصلاحات اللازمة لصيانتها وحفظ كيانها ومنعها من التلف، ويلتزم كذلك باتخاذ جميع الإجراءات الإدارية والقضائية لتفادي ما قد يلحق بهذه الأموال من أضرار بسبب الغير، كأن يرفع الدعاوى أو يوقع الحجوز الاحتياطية وغير ذلك. وليس للحارس، بطريق مباشر أو غير مباشر، أن يحلّ محله في أداء مهمته كلها أو بعضها أحد ذوي الشأن من دون رضاء الآخرين.
- 2)التزام إدارة المال وسلطته بالتصرف: لما كان الحارس نائباً عن صاحب المال، لذلك فإن سلطته هي سلطة الوكيل وكالة عامة، فله أن يقوم بالتأجير لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وله القيام بزراعة الأرض وما يتطلبه ذلك من شراء مواد وأدوات وآلات، وكذلك بيع محاصيل الإنتاج، وله أن يستعين بالموظفين والعمال الذين يحتاج إليهم في أعمال الإدارة، وله أن يقوم بأعمال التصرف التي لا تدخل في أعمال الإدارة إذا حصل على موافقة ذوي الشأن أو على ترخيص من القضاء وإلا عُدّ متجاوزاً نيابته.
- 3)التزام مسك دفاتر وتقديم حسابات منظمة وفقًا لما يتطلّبه القانون فالقانون رقم 36لسنة 2013 تشير مادّته التّاسعة عشر إلى :( يجب على الحارسِ العام وغيره من الحرّاسِ الخاضعين أنْ يُقدّموا حسابًا عن إدارتهم للأموالِ والممتلكات محلّ الحراسة خلال شهرٍ من مباشرتهِم لمهامهم إلى وزيرِ العدلِ لفحصهِ واعتماده من قبلِ ديوانِ المحاسبة.) وفي الحراسة القضائيّ والاتّفاقيّة للقاضي إلزامه اتخاذ دفاتر موقع عليها من المحكمة. ويجب عليه أن يقدم لذوي الشأن كل سنة على الأكثر حساباً بما تسلمه وبما أنفقه معززاً بما يثبت ذلك من مستندات. وإذا كان الحارس معيناً من قبل المحكمة فعليه إضافة لذلك أن يودع صورة من هذا الحساب، قلم كتّابها ليتاح للمحكمة مراجعة الحساب المذكور، والتأكد من حسن قيام الحارس بالمهمة التي أوكلت إليه.
- 4)التزام رد الأموال محل الحراسة: يلتزم الحارس عند انتهاء الحراسة رد المال المعهود إليه حراسته على من يختاره ذوو الشأن أو من يعينه القاضي. ويكون الرد أو التسليم مشفوعاً بحساب أخير مؤيد بالمستندات.
حقوق الحارس
- 1) تقاضي الأجر: للحارس أن يتقاضى أجراً مالم يكن قد تنازل عنه صراحة. والقاضي هو الذي يتكفل بتعيين أجر الحارس مراعياً في ذلك الجهد الذي بذله أو يبذله وأهمية العمل الذي يقوم به، والنتيجة التي وصل إليها في إدارته، والصعوبات التي اعترضته أثناء القيام بعمله وكفاءته الخاصة في الإدارة. والملزم بدفع الأجر هو من طلب الحراسة أو من كسب الدعوى أو من حُكم عليه بالمصروفات.
- 2) استرداد المصروفات والتعويض: للحارس أن يسترد ما أنفقه من مصروفات ضرورية لحفظ المال الموضوع تحت الحراسة، كالمصروفات التي أنفقت على ترميم المال أو مصروفات الزراعة من بذور وأسمدة إذا كان المال أرضاً زراعية، كما أن يرجع بالتعويض عما يصيبه من ضرر يكون سببه المباشر قيامه بمهمته. والحارس يطالب بهذه المصروفات عملاً بالقواعد العامة على أسـاس الإثراء بلا سبب، ويحق للحارس حبس المال الموضوع تحت الحراسة حتى يسترد أجره وما دفعه من مصروفات وما يستحقه من تعويض.
انتهاء الحراسة
قد تنتهي مهمة الحارس دون أن تنتهي الحراسة ذاتها، ويكون ذلك بتنحي الحارس عن الحراسة لعذر مقبول، أو بعزله عن الحراسة بسبب يستوجب ذلك أو بموته أو بالحجر عليه. وقد تنتهي الحراسة ذاتها وتنتهي بالتالي مهمة الحارس عندما يثبت الحق في المال موضوع الحراسة إلى أحد أطراف النزاع فيلتزم الحارس عندئذ تسليمه المال المذكور.